اسمحوا لي بداية أن أودع 2005 التي أسعد لرحيلها أيما سعادة، فقد كانت سنة حافلة بالمآسي الإنسانية والكوارث الطبيعية التي لم يعرف لها الإنسان نظيرا من قبل، حيث ضرب المد البحري الزلزالي ''تسونامي'' الدول المطلة على المحيط الهندي قبل بداية 2005 بأسبوع واحد فقط، إلا أن آثاره وتداعياته استمرت طيلة السنة حيث واصل عدد الذين لقوا مصرعهم جراء هذه الكارثة الارتفاع بعد العثور على مزيد من الجثث بين الحين والآخر، ليصل في الأخير عدد الذين هلكوا جراء هذه الكارثة إلى أكثر من 200000 شخص معظمهم من النساء والأطفال·
كما خلف إعصار ''كاترينا'' مأساة على سواحلنا الجنوبية المطلة على خليج المكسيك، أما عن عدد الموتى الذين لقوا حتفهم فقد قدر بما لا يقل عن 1300 شخص· ومما زاد من هول الكارثة وارتفاع عدد الضحايا فشل الإنسان وأخطاؤه، والكشف عن وجود فجوة عرقية وطبقية تسود نيوأورليانز وقف عليها الجميع من خلال الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام عقب الإعصار، وعجز الحكومة في التعامل مع هذه الأزمة بحكمة على كافة المستويات·
والحرب في العراق مأساة أخرى يخشى أن تتحول إلى كارثة في وقت تدفع فيه إدارة الرئيس بوش باتجاه تشكيل برلمان وحكومة وتفادي اندلاع حرب أهلية· كما أن الزلزال المدمر الذي ضرب باكستان أسفر عن مقتل 74000 شخص حتى الآن، غير أن العزاء الوحيد كان ولا شك الطريقة العظيمة التي استجابت بها الحكومات والمنظمات الدولية وسرعة إرسال فرق الإنقاذ والمساعدات الإنسانية وذلك بالرغم من ارتفاع عدد المنكوبين جراء هذا الزلزال·
ربما ما يفعله الإنسان بأخيه الإنسان هو أكثر مأساوية مما تفعله الطبيعة بالإنسان، ففي منطقة دارفور بالسودان تم قتل حوالي 180000 لا لشيء سوى لأنهم ينحدرون من أعراق مختلفة عن عرق الأغلبية· وفي أفريقيا ومناطق أخرى من العالم يعاني حوالي 85 مليون شخص من المجاعة· أما في ديمقراطيتنا المتخمة، فقد حدثت مآس من نوع خاص، أذكر منها هنا عمليات استعمال النفوذ من قبل أعضاء الكونغرس والتي أضحت روتينية، والعلاقات المشبوهة بين الكونغرس واللوبيات أو الجماعات الضاغطة، والصدفة العجيبة الغريبة التي تتمثل في كون زعيمي الأغلبية في كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب يواجه كلاهما متاعب قانونية·
وعلاوة على ذلك، لم تكن سنة 2005 سنة جيدة بالنسبة للحريات المدنية التي اكتوت بنار إدارة الرئيس بوش، حيث قرأنا في الصحف خبر تنصت الإدارة الأميركية على مواطنيها والتجسس على بريدهم الإلكتروني دون الحصول على إذن قضائي، وسمعنا عن السجون السرية في الخارج التي تستعملها مخابراتنا من أجل تعذيب المشتبه في علاقتهم بالإرهاب وإساءة معاملة السجناء أثناء عمليات الاستنطاق·
سنة 2005 لم تكن سنة جيدة كذلك بالنسبة للصحافة التي لم تسلم بدورها من المشاكل، حيث تعرض الصحافيون لضغوط قوية من أجل التعاون مع السلطات والكف عن طلب امتيازات خاصة· ولهذه الأسباب مجتمعة أنا سعيد لرحيل ،2005 آملا بكل صدق أن تكون 2006 أفضل من سابقتها·
ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور